إحياء المذهب التجاري- شراكة الدولة والاقتصاد لتحقيق النمو والقوة
المؤلف: علي محمد الحازمي10.14.2025

في بواكير القرن السادس عشر، تبنت قارة أوروبا، وبشكل خاص بريطانيا العظمى، الفكر التجاري المعروف بـ "الميركانتيلية"، واستمرت على هذا النهج حتى مشارف القرن الثامن عشر. تقوم الركائز الأساسية لهذا المذهب الاقتصادي على توجيه دفة الحياة الاقتصادية من قبل السلطات التشريعية والتنظيمية في البلاد، مع إيمان راسخ بأن الثروة الحقيقية تتجسد في وفرة المال، وأن تفوق الصادرات على الواردات هو السبيل الأمثل لتحقيق الازدهار. ولذلك، يجب تقديم كل أشكال الدعم والرعاية للصناعات الوطنية المصدرة، وفي المقابل، يجب فرض حواجز جمركية مشددة على الواردات لحماية المنتج المحلي، مع الاعتقاد السائد بأن ازدهار أي دولة لا يمكن أن يتحقق إلا على حساب إضعاف الدول الأخرى.
في العصر الحديث، يُنظر إلى المذهب التجاري "الميركانتيلي" على أنه تراكم لأفكار عتيقة وبالية، بل وخاطئة بشكل فادح فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية. في ذروة مجده، دافع هذا المذهب عن مفاهيم تبدو اليوم ضربًا من الغرابة، وعلى رأسها الاعتقاد بأن السياسة الوطنية يجب أن تهدف بشكل أساسي إلى تكديس المعادن النفيسة كالذهب والفضة في خزائن الدولة. هذا المفهوم يعتبر اليوم قاصراً وسطحياً.
لكن اليوم، تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة التفكير مليًا في تبني المذهب التجاري، ولكن ليس بالصورة القديمة، بل باعتباره منهجية مبتكرة لتنظيم العلاقة الوطيدة بين الدولة ومختلف القطاعات الاقتصادية. إنها رؤية لا تقل أهمية في عالمنا المعاصر عما كانت عليه في القرن الثامن عشر. يقدم المذهب التجاري تصورًا لشراكة استراتيجية حقيقية، حيث تكون الدولة والشركات الخاصة حليفين متكاتفين، يعملان جنبًا إلى جنب في السعي الدؤوب لتحقيق أهداف مشتركة وغايات نبيلة، مثل تعزيز النمو الاقتصادي الشامل أو ترسيخ مكانة الدولة وقوتها على الساحة الدولية.
قد تنظر بعض الدول المتقدمة اليوم باستخفاف إلى النموذج التجاري، وتعتبره ضربًا من رأسمالية الدولة أو ضربًا من المحسوبية والواسطة، ولكن عندما يكتب لهذا النموذج النجاح، كما تجلى في العديد من التجارب الآسيوية الملهمة، فإن هذا "التعاون الوثيق بين الحكومة والشركات" أو "الدولة الداعمة والمشجعة للأعمال" في النموذج التجاري أو الميركانتيلي، سرعان ما يحظى بالإشادة والتقدير على نطاق واسع. حتى في بريطانيا نفسها، لم تظهر الليبرالية الكلاسيكية وتترسخ مبادئها إلا في منتصف القرن التاسع عشر، أي بعد أن أصبحت بريطانيا بالفعل القوة الصناعية المهيمنة والمسيطرة على زمام الأمور في العالم.
وخلاصة القول؛ إن ما تقوم به الدول الآسيوية الصاعدة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والصين، من تحقيق معدلات نمو اقتصادي فائقة السرعة من خلال تطبيق تنويعات مختلفة من المذهب التجاري، يتجسد في حماية أسواقها المحلية بقوة، وتقديم الدعم اللامحدود لمنتجيها الوطنيين، وإدارة عملاتها بفعالية وكفاءة، هو عين ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية العريقة في وقت سابق، كالمملكة المتحدة وهولندا وفرنسا، التي شيدت إمبراطوريات ضخمة مترامية الأطراف وجمعت ثروات طائلة لا تحصى ولا تعد، وذلك باستخدام النموذج التجاري نفسه في حقبة تاريخية سابقة.
في العصر الحديث، يُنظر إلى المذهب التجاري "الميركانتيلي" على أنه تراكم لأفكار عتيقة وبالية، بل وخاطئة بشكل فادح فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية. في ذروة مجده، دافع هذا المذهب عن مفاهيم تبدو اليوم ضربًا من الغرابة، وعلى رأسها الاعتقاد بأن السياسة الوطنية يجب أن تهدف بشكل أساسي إلى تكديس المعادن النفيسة كالذهب والفضة في خزائن الدولة. هذا المفهوم يعتبر اليوم قاصراً وسطحياً.
لكن اليوم، تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة التفكير مليًا في تبني المذهب التجاري، ولكن ليس بالصورة القديمة، بل باعتباره منهجية مبتكرة لتنظيم العلاقة الوطيدة بين الدولة ومختلف القطاعات الاقتصادية. إنها رؤية لا تقل أهمية في عالمنا المعاصر عما كانت عليه في القرن الثامن عشر. يقدم المذهب التجاري تصورًا لشراكة استراتيجية حقيقية، حيث تكون الدولة والشركات الخاصة حليفين متكاتفين، يعملان جنبًا إلى جنب في السعي الدؤوب لتحقيق أهداف مشتركة وغايات نبيلة، مثل تعزيز النمو الاقتصادي الشامل أو ترسيخ مكانة الدولة وقوتها على الساحة الدولية.
قد تنظر بعض الدول المتقدمة اليوم باستخفاف إلى النموذج التجاري، وتعتبره ضربًا من رأسمالية الدولة أو ضربًا من المحسوبية والواسطة، ولكن عندما يكتب لهذا النموذج النجاح، كما تجلى في العديد من التجارب الآسيوية الملهمة، فإن هذا "التعاون الوثيق بين الحكومة والشركات" أو "الدولة الداعمة والمشجعة للأعمال" في النموذج التجاري أو الميركانتيلي، سرعان ما يحظى بالإشادة والتقدير على نطاق واسع. حتى في بريطانيا نفسها، لم تظهر الليبرالية الكلاسيكية وتترسخ مبادئها إلا في منتصف القرن التاسع عشر، أي بعد أن أصبحت بريطانيا بالفعل القوة الصناعية المهيمنة والمسيطرة على زمام الأمور في العالم.
وخلاصة القول؛ إن ما تقوم به الدول الآسيوية الصاعدة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والصين، من تحقيق معدلات نمو اقتصادي فائقة السرعة من خلال تطبيق تنويعات مختلفة من المذهب التجاري، يتجسد في حماية أسواقها المحلية بقوة، وتقديم الدعم اللامحدود لمنتجيها الوطنيين، وإدارة عملاتها بفعالية وكفاءة، هو عين ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية العريقة في وقت سابق، كالمملكة المتحدة وهولندا وفرنسا، التي شيدت إمبراطوريات ضخمة مترامية الأطراف وجمعت ثروات طائلة لا تحصى ولا تعد، وذلك باستخدام النموذج التجاري نفسه في حقبة تاريخية سابقة.
